ما هي علوم الفيدا؟

ما هي علوم الفيدا؟

الفيدا هي أقدم العلوم التي عرفها الإنسان ويعتقد أنها موجودة منذ أكثر من خمسة وعشرين ألف سنة وقد تناقلها حكماء الهند من جيل إلى جيل عبر التعليم الشخصي. منذ أكثر من 2500 سنة تم كتابة هذه المعرفة ووضعت في عدة مجلدات كبيرة وقسمت إلى عدة أقسام وجزئت الأقسام إلى عدة أجزاء. وهذه الأقسام والأجزاء تشرح عن عملية ظهور الخليقة من المستوى غير الظاهر إلى المستوى المادي.

كلمة فيدا تعني المعرفة. تشرح الفيدا عن تفاعل الوعي في داخل ذاته، في تفاعله يتفتح الوعي من كونه وعياً مجرداً غير نابض وغير فاعل إلى وعي متكاثف بمادة حية. وفي عملية تفتح الوعي يمر بعدة مراحل، وهذه المراحل هي ما يعرف بأقسام الفيدا. يظهر الاكتشاف أن معرفة الفيدا كلها، بأقسامها وأجزاء أقسامها متطابقة تماماً مع الجسم البشري، هذا الاكتشاف هو ثمرة أبحاث دامت 150 سنة في مجال الفسيولوجي و 36 سنة في العلم الفيدي. هذا الاكتشاف يبرهن بوضوح أن الإنسان هو ليس إلا التعبير الطبيعي للفيدا، وأن الفيدا هي قانون الوجود. وهكذا ندرك أن القوة التنظيمية غير المحدودة للقانون الطبيعي هي بمتناول كل إنسان ومن خلالها نستطيع تطوير الحياة الكاملة والوصول إلى المثالية.

الفيدا هي معرفة الوجود، تصف الفيدا أن مصدر الكون هو حقل لا محدود من الوعي المجرّد، وتشرح كيف ظهر هذا الوعي المجرّد الساكن غير النابض وغير الظاهر وأصبح حيويّة متفاعلة نابضة وظاهرة، وفي الشرح عن ذلك يُعطي علم الفيدا تفصيلاً عن عدة نواحي وعدة تحوّلات اتخذها الوعي كي يصبح وعياً نابضاً فاعلاً، ويتضمن كل تحوّل من هذه التحولات عدة مراحل، وفي كل مرحلة يأخذ الوعي صفة معينة، وهذه الصفات هي نقاط ارتباط، تعبّر كل منها عن علاقتها بمصدرها، الذي هو الوعي المجرّد اللامحدود، وأيضاً عن علاقتها وارتباطها بكل مراحل التحوّل الأخرى. إن كل هذه التحوّلات هي كامنة في الوعي غير المحدود قبل عملية الظهور، وتظهر الخليقة نتيجة لتفتح الوعي وتكرار تفتحه مرات غير محدودة في كل طبقات الخليقة غير المحدودة.

في تفاعله يتفتح الوعي من كونه وعياً مجرداً غير نابض وغير فاعل إلى وعي متكاثف بمادة حية. في تفاعله الأول يكون الوعي المجرد شمولية ساكنة غير متفاعلة (رك سامهيتا)، وفي عملية التحوّل عندما يبدأ الوعي بالحركة يأخذ بنية ثلاثية تعرف بـ "ريشي وديفاتا وتشاندس" أي العارف ووسيلة التعرّف والمعروف، وبتفاعل الريشي والديفاتا والتشاندس مع السامهيتا يتحول الوعي ويأخذ عدة صفات مختلفة، في كل مرحلة من مراحل التحول تظهر ستة صفات رئيسية، وتتكرّر العملية في ست مراحل. وهكذا يكون للوعي سبعة تفاعلات، في التفاعل الأول كما ذكرنا، يكون الوعي المجرد شمولية ساكنة غير متفاعلة (رك سامهيتا) وفي التفاعل الثاني تظهر عناصر الفيدا الرئيسية، وفي التفاعل الثالث تظهر الفيدانغ أي أعضاء الفيدا، وفي التفاعـل الرابع تظهـر الأوبانغ أي الأعضاء التابعة، وفي التفاعـل الخامس تظهـر البرهمانا أي تعبير الفيدا، وفي التفاعل السادس تظهر الأوبافيدا أي توابع الفيدا، وفي التفاعل السابع تظهر البراتيشاكيس، وبذلك يكتمل الوعي ويأخذ صفة براتيشاكياس الكلي الوجود.



هذه التفاعلات تظهر في أجزاء علوم الفيدا وهي 40 جزءاً رئيسياً يتضمن كل جزء منها عدة أقسام وفصول، وهذه الأقسام هي أقسام الفيدا والأدب الفيدي. هكذا يكون الوعي قد تحوّل من أحادية مجردة (رك سامهيتا) إلى أحادية متنوعة (براتيشاكياس) وهذه المراحل موجودة في كل مستويات الخليقة، لذلك تعتبر الفيدا بأنها معرفة الوجود.

الفيدا هي ثلاثية التعبير هي تفاعل الأوجه الثلاثة للأحادية (الساَمْهيتا)، ففي أول نبضة تفاعل للأحادية تصبح ثلاثية، كما يقال في هذه العبارة "عقل العقل ذاته" عندما يكون العقل غير عاقل يكون وعياً أحادياً مجرّداً، وعندما يعقل يصبح ثلاثة: العاقل (الذات) والعقل (الفعل) والمعقول (الصفة) أي يصبح المشاهِد والمشاهدة والمشاهَد، أي العارف ووسيلة التعرّف والمعروف، وفي الفيدا تسمى هذه الصفات الثلاثة كما ذكرنا: ريشي، ديفَتا، وتْشندَس. وبتفاعل الريشي والديفَتا والتْشَندس مع السامْهيتا التي هي أحادية الريشي والديفَتا والتْشَندس، يتحوّل الوعي المجرّد اللامحدود إلى وعيٍ نابض وفاعل.


هذا الاكتشاف العلمي يتطابق مع العلوم الحديثة وأيضاً مع مجمل العلوم القديمة، فقد ورد في القرآن الكريم، في سورة الذاريات: "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، وأيضا قال الإمام علي: "وتحسب نفسك جرم صغير فيك انطوى الكون أجمع"، وورد أيضاً في الكتاب المقدس: "لا تبحثوا عن ملكوت الرب هاهنا أو هناك إن ملكوت الرب فيكم".